حقوق الزوج والزوجه
صفحة 1 من اصل 1
حقوق الزوج والزوجه
نص السؤال :
يختلف الناس في فهمهم لحقوق وواجبات الزوج على زوجته والعكس لأن كثير من العلماء عندما يسئلوا عن ذلك يجيبون إجابة عامة غير واضحة وهي أن يرجعوها إلى العرف ولا يحددون ماهو العرف بالضبط لأن الناس يختلفون في فهمهم للعرف فيقع الظلم بين الأزواج ويظن كل منهم أن هذا هو العرف، فلذلك نرجوا من فضيلتكم أن توضحوا لنا واجبات وحقوق كل من الزوجين على الآخر بتوضيح لا يختلف في فهمه الناس لتتم الفائدة ولكم جزيل الشكر والثواب.
الجواب :
العلماء فصلوا في حقوق كل من الزوجين على الآخر، وفي الحقوق المشتركة بينهما، أما الأمور المبنية على الأعراف فهي تفصيلات تتعلق ببعض هذه الحقوق، كمقدار النفقة وجنسها وكميتها، وهذا أمر طبيعي فليس من المعقول أن تكون النفقات في البلاد الغنية كالنفقات في البلاد الفقيرة، بل حتى في البلاد الواحدة، تتغير النفقة من أسرة إلى أخرى، فنفقة الأغنياء غير نفقة الفقراء، بل تتغير من زمن إلى آخر، فما يعد اليوم من الضروريات كان عند آبائنا من الكماليات...وهكذا، أما هذه الحقوق فإليك تفصيلها.
يقول العلامة الشيخ محمد مصطفى شلبي -رحمه الله-:
إن عقد الزواج إذا تم يوجب حقوقاً للزوجين، وهذه الحقوق بعضها مشترك بينها، وبعضها يخص الزوج، وبعضها يخص الزوجة.
الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أولاً: حق الاستمتاع وهو أن يحل لكل واحد منهما أن يتمتع بالآخر الحدود التي رسمها الشارع، فعلى كل منهما أن يجيب رغبة الآخر ولا يمتنع منه إلا إذا وجد مانع شرعي يمنع من ذلك كحيض لقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ }البقرة-222، ويلحق به النفاس وكذلك المرض الشديد.
وقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يعف زوجته من الناحية الجنسية حتى لا تقع في الحرام متى كان قادراً على ذلك، وأن هذا الواجب من جهة الديانة أي فيما بينه وبين الله تعالى، فيحرم عليه أن يشتغل عنها بعمل أو عبادة كل وقته لأنه يعرضها بذلك للفتنة، فقد روى أن زوجة عبدالله بن عمرو بن العاص شكته إلى رسول الله بأنه يصوم النهار ويقوم الليل فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلما حضر قال له: (يا عبدالله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟) فقال: بلى يا رسول الله، فقال له: (لا تفعل ذلك، صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً).
ثانياً: حسن المعاشرة، فكل من الزوجين مطالب بإحسان العشرة على معنى أن يسعى كل منهما إلى ما يرضي الآخر من حسن المخاطبة واحترام الرأي والتسامح والتعاون على الخير ودفع الأذى والبعد عما يجلب الشقاق والنزاع لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء-19، وقوله: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }البقرة-228، فإذا فعلا ذلك تحقق بينهما السكن وتوفرت المودة، وكان الزواج رحمة لهما كما أخبر المولى سبحانه في قوله: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }الروم-21.
ثالثاً: حرمة المصاهرة، فيحرم على الزوج التزوج بأصول زوجته وفروعها كما يحرم عليها التزوج بأصوله وفروعه وقد سبق فصل ذلك، وحرمة المصاهرة وإن كانت في ظاهرها حق الشارع، لأنها حكم من أحكامه إلا أن ثمرتها تعود على الزوجين على السواء، لأن ثبوتها يدفع الأذى عنهما فيما لو أبيح لكل منهما أن يتزوج بأقرب الناس إلى الآخر بعد فصم عرى الزوجية بينهما، وقد أشرنا إلى ذلك عند الكلام على حكمة التحريم بالمصاهرة.
رابعاً: ثبوت التوارث بينهما بأن يرث كل منهما الآخر بعد وفاته ولو كانت قبل الدخول ما لم يوجد مانع يمنع منه، وذلك لأن عقد الزواج لما أحل المتعة والعشرة بينهما فقد أوجد صلة تربط بينهما كصلة القرابة فتبع ذلك ثبوت التوارث لهذه الصلة.
حقوق الزوج:
يثبت للزوج:
أولاً: حق الطاعة على زوجته في كل ما هو من آثار الزواج إلا ما كان في معصية الله، فمتى أوفى الزوج زوجته حقوقها الواجبة عليه بأن دفع لها مهرها أو مقدار ما اتفقا على تعجيله منه وأعد لها المسكن اللائق بها وكان أميناً عليها وجب عليها الدخول في طاعته فتقيم معه حيث يعيش وتمكنه من نفسها، فإذا امتنعت بعد ذلك عن الدخول في طاعته كانت ناشزة وسقط حقها في النفقة كما سيأتي إن شاء الله.
ووجوب الطاعة في الحقيقة من تتمة التعاون بين الزوجين، ذلك لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع فإن كانت سليمة كان المجتمع سليماً، ولا تستقيم حياة أي جماعة إلا إذا كان لها رئيس يدير شئونها ويحافظ على كيانها، ولا توجد هذه الرياسة إلا إذا كان الرئيس مطاعاً، وهذه الرياسة لم توضع بيد الرجل مجاناً، بل دفع ثمنها لأنه مكلف بالسعي على أرزاق الأسرة والجهاد من أجلها مع ما في تكوينه وطبيعته من الاستعداد لها، يقول سبحانه: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }النساء-34، فهذا الجزء من الآية يثبت للزوج حق الطاعة لأنه جعله فيما عليها ولا قوامة بدون طاعة من الطرف الآخر، وقد ورد عن رسول الله أحاديث كثيرة تحض المرأة على طاعة زوجها.
هذا وقوامة الرجل على المرأة فيما يتعلق بالحياة الزوجية فليس له الحق في التدخل في شئونها المالية، لأن الولاية لها في ذلك ما دامت كاملة الأهلية، فإن كانت أهليتها قاصرة فالولاية لوليها المالي كأبيها أو جدها أو من يقوم مقامهما.
ويتبع حق الطاعة حق آخر وهو حق القرار في البيت لا تبرحه إلا بإذنه وليس قرارها في البيت غبنا لها أو سجناً لها كما فهمه قصار النظر وإنما هو إعانة لها على أداء وظيفتها التي خلقت لها وهي التفرغ لتربية الأولاد في مبدأ حياتهم ليحيوا حياة سليمة، ومن قبل ذلك محافظة عليها من الفتنة والفساد، وليس معنى هذا أن تظل حبيسة البيت لا تخرج منه أبداً كما فهمه بعض الناس خطأ، لأنه ليس حقاً من حقوق الله حتى يكون لازماً بل هو حق للزوج إن شاء تمسك به وإن شاء تنازل عنه وأذن لها بالخروج ما لم يترتب على خروجها مفسدة فيتحتم المنع محافظة على حرمات الله.
على أن حق المنع ثابت له بشرط أن يكون أوفاها حقوقها، وألا يكون لخروجها مسوغ شرعي كأداء فريضة الحج بشرط أن يكون شفرها مع ذوي رحم محرم منها، وزيارة أبويها ومحارمها من أخوتها وأعمامها وغيرهم، فإن وجد المسوغ الشرعي لخروجها ولم يأذن لها، كان لها الخروج بدون إذنه فلها أن تزور والديها في كل أسبوع مرة، وإذا مرض أبوها وليس له من يقوم بتمريضه غيرها كان لها أن تذهب إليه لتقوم بتمريضه ولو لم يرض الزوج، ولا تكون بذلك خارجة عن طاعته، لأن حق الوالدين مقدم على حق الزوج عند تعارضهما، حتى ولو كان الأب غير مسلم.
وعلى الزوجة بعد طاعة زوجها وقرارها في بيته، أن تكون أمينة على سره حافظة لماله وشرفه فتبعد عن مواطن الشبهات، فال تدخل بيتها من لا يرضى زوجها عنه، ولا تطيع فيه أحداً لقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تطيع فيه أحداً ولا تعتزل فراشه ولا تضر به).
ثانياً: ولاية التأديب، إذا كانت الزوجة مطيعة لزوجها محافظة على حقوقه فلا سبيل له عليها، أما إذا خرجت عن الطاعة وخالفته فيما يجب عليها، كان له عليها ولاية التأديب لقوله تعالى: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا }النساء-34، فهذه الآية قسمت النساء إلى نوعين، صالحات، وهؤلاء لسن في حاجة إلى تأديب لأنهن يقمن بما عليهن من حقوق الله وحقوق الزوج.
والنوع الثاني الذي عبرت عنه الآية {واللاتي تخافون نشوزهن} وهن اللاتي شرع التأديب لهن ولأن تركهن على انحرافهن يسبب للبيت شقاء لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وجعل التأديب للزوج دون غيره من الولي أو القاضي محافظة على كيان الأسرة بحفظ أسرارها من أن تذاع فيطلع الناس منها على ما لا يحسن الاطلاع عليه، ولأنه أعلم من غيره بما يقومها ويردها إلى صوابها، ولأن ضرر انحرافها يعود عليه وعلى بيته.
ثم إن الآية بينت طريق التأديب فجعلت له وسائل ثلاث: الموعظة الحسنة، والهجر في المضاجع، الضرب، وجاءت بها مُرتّبة فإذا أراد التأديب بدأ بما بدأ الله به، فيعظها فإن كفت الموعظة وقف عند ذلك، وإن لم تفد الموعظة هجرها في المضجع بأن يوليها ظهره أو ينام في فراش آخر داخل البيت، فإن لم يفد الهجر فله أن يضربها ضرباً غير مبرح ولا مشين، ولقد سأل رجل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلاّ في البيت).
فإذا أساء الزوج استعمال حقه، وتجاوز القدر اللازم للإصلاح كان متعدياً، وللزوجة حينئذ أن ترفع أمرها إلى القاضي ليرده عن عدوانه، فإن ثبت لديه عدوان الزوج عزره بما يراه كافياً لزجره عن معاودته لما فعل، وليس له حق إيقاع الطلاق جبراً إذا طلبته الزوجة كما يرى الحنفية والجعفرية، ويرى المالكية أن المرأة لو طلبت الطلاق للضرر في هذه الحالة كان للقاضي سلطة إيقاع الطلاق إذا امتنع الزوج عن التطليق وتكون طلقة بائنة، وهو ما يجري عليه العمل في مصر.
ثم إن القرآن لم يقف بالعلاج عند هذه الوسائل الفردية التي وكلها إلى الزوج، بل جعل للزوج إذا لم يصل إلى نتيجة وأفلت الزمام من يده أن يرفع الأمر إلى القاضي ليعالج المشكلة بوسيلة أخرى على مستوى الجماعة، لأن الحياة الزوجية ليس ملكاً للزوجين خاصة، بل لها جانب اجتماعي من جهة أنهما عضوان في المجتمع الذي يسعد بسعادة أفراده ويشقى بشقائهم، فيبعث القاضي حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، ليتعرفا أسباب النزاع ويقوما بالإصلاح كما يقول سبحانه: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }النساء-35.
حقوق الزوجة غير المالية:
أولاَ: يثبت للزوجة على زوجها عدم الإضرار بها بأن يعدل في معاملتها فيعاملها بما يجب أن تعامله به فيحافظ على حقوقها من غير إفراط ولا تفريط، وإنما وجب عليه العدل وعدم الإضرار باعتبار ما له من السلطان والرياسة، فحيث وضعه الشارع في موضع القوامة وأوجب له على زوجته الطاعة والقرار في البيت ومنحه سلطة التأديب، وهذه أمور لا تستقيم مع إطلاق يده في التصرف بال يجب تقييدها بالعدل من جانبه، حتى تسير الحياة الزوجية في طريق مستقيم لتحقق الغاية المقصودة منها.
ومن هنا جاءت عدة آيات وأحاديث تنبه الزوج إلى يعدل ولا يظلم، وينفع ولا يضر، ورحم ولا يقسو، فيقول جل شأنه: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }البقرة-228، ويقول: { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }البقرة-231، ويقول: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }النساء-34.
ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وفي حديث آخر يقول: ( ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت)، وفي خطبة الوداع يقول: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهم شيئاً غير ذلك) يريد أن يقول أنكم لا تملكون منهن غير الاستمتاع، وهكذا يرسم الإسلام طريقة معاملة الأزواج لزوجاتهم، فمن سار في طريقه نجا، ومن حاد عنه وآذى زوجته بالقول أو الفعل كان لها الحق أن ترفع الأمر إلى القاضي وهو بما له من الولاية العامة يستطيع زجر الزوج بالقول وتعزيره بما يراه رادعاً له عن عدوانه.
ثانياً: إذا كان له أكثر من زوجة وجب عليه التسوية بينهن في المعاملة، سواء كان ذلك في البيات أو في النفقة بأنواعها، لأن الله شرط حل التعدد بالعدل في قوله جل شأنه: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }النساء-3، ويستوي في ذلك البكر والثيب، والشابة والعجوز، والصحيحة والمريضة، والأولى والأخيرة، والمسلمة والكتابية، لأن رباط الزوجية واحد في الجميع، فلا يحل له أن يميز واحدة عن غيرها في أي شيء من الأمور الظاهرة، فيبيت عند كل واحدة قدر ما يبيت عند الأخرى وتقدير النوبة مفوض إليه، وإن كان الأولى ألا تكون طويلة حتى لا تطول الوحشة عل ى الزوجات.
والمعتبر في المناوبة بين الزوجات الليل لا النهار، إلا إذا كان الزوج يعمل ليلاً فتكون المناوبة بالنهار، وإذا عين الزوج مقدار النوبة بدأ بمن شاء، وعليه أن يوفي كل زوجة نوبتها دان أن يزيد لواحدة على حساب الأخرى إلا إذا أذنت صاحبة الحق في ذلك، أو وجدت ضرورة تدعوه إلى ذلك كأن مرضت إحداهن وليس لها من يقوم بتمريضها غيره.
وإذا تنازلت إحدى الزوجات عن نوبتها لزوجة أخرى صح ذلك، لأن رسول الله أقر لك عندما تنازلت سودة بنت زمعة عن نوبتها لعائشة رضي الله عنهما، وللمتنازلة أن ترجع عن تنازلها متى شاءت لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد فلا يسقط، يلزم الزوج هذا القسم حتى ولو كان مريضاً، لأن في وجوده عند زوجته إيناساً لها إلا إذا أذنت له في القرار في بيت إحداهن، ونحن نقول: نعم له أن يتزوج أربعاً وعليه العدل بين زوجاته أياً كان عددهن فهل في لك عدل؟ وكما يجب عليه التسوية في البيات، يجب عليه التسوية في النفقة.
الحق الثالث للزوجة وهو المهر:
المهر حق مالي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في عقد زواج صحيح، أو دخول بشبهة أو بعد عقد فاسد، وهذا التعريف يفيد أن المهر واجب، وأنه يجب على الرجل لا على المرأة، وأن وجوبه ثابت بأحد أمرين:
الأول: مجرد العقد، ويكون في الزواج الصحيح لقوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ }النساء-24.
الثاني: الدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أو في المخالطة بشبهة، وفي هذا لا تبرأ ذمته منه إلا بالأداء أو الإبراء من جانب المرأة، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وقد أجمع المسلمون على ذلك من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا لم يخالف في ذلك أحد.
ما يصلح أن يكون مهرا:
لا خلاف بين الفقهاء في الأشياء بالنسبة لصلاحيتها لأن تُجعل مهراً تتنوع إلى نوعين: نوع يتعين أن يكون المهر منه، وهو كل ما له قيمة شرعية سواء كان عيناً من الذهب والفضة أو منفعة مباحة تقوم بالمال أو ديناً في الذمة، ونوع لا يصلح أن يكون مهراً وهو ما ليس بمال أو كان مالاً غير متقوم شرعاً كالخمر والخنزير ي حق المسلم أو منفعة غير مباحة أو مباحة ولكنها لا تقوم بمال.
مقدار المهر:
للفقهاء في مقدار المهر آراء، فمن الفقهاء من يذهب إلى عدم تحديده بمقدار لا في مبدئه ولا في نهايته وإنما هو موكل إلى تراضي الطرفين، ومنهم من يذهب إلى أن أقله محدد بمقدار لا يجوز بأقل منه وإن لم يكن محدد النهاية.
الجهاز ومتاع البيت والنزاع فيهما.
الجهاز: ما يعد به بيت الزوجية من أثاث وأدوات منزلية عند زفاف الزوجة إلى زوجها، إذا كان بيت الزوجية يضم الزوجين لأول مرة بعد أن دفع الزوج لزوجته مهرها أو المعجل منه، بحيث لا تستجيب لطلبه إلا بعد قبضه وإعداد المسكن المناسب، فعلى من يكون جهاز البيت الذي يجمعهما؟
اختلف الفقهاء في ذلك فمنهم من يطبق قانون الحقوق الزوجية من أن المهر الذي تأخذه الزوجة ملك خالص لها، وأن على الزوج أن يهيئ للزوجة المسكن الملائم لها قبل أن يطلبها للدخول في طاعته فلم يوجبوا على الزوجة جهازاً ولا غيره، بل جعلوا إعداد البيت فرشه وتأسيسه بكل ما يحتاج إليه على الزوج حتى يكون مسكناً لائقاً بحياة الزوجين.
ومن الفقهاء من لاحظ العرف الطارئ على هذه القواعد، فيوجب على الزوجة تجهيز البيت حسبما تجري به العادة في جهاز مثلها بما قبضته من مهرها، فإذا لم تقبضه قبل زفافها لا تطالب بالجهاز إلا إذا شرط عليها الزوج ذلك وقبلته، أو جرى عرف الناس في بلدهما بأن الزوجة تجهز البيت وإن لم تقبض صداقها، فكأن المهر عندهم يدفع للجهاز حسبما يجري به العرف، ولذا يختلف مقداره من زوجة لأخرى بقدر ما يطلب الزوج عادة من جهاز.
الحق الرابع للزوجة وهو النفقة:
التعريف بها ووجوبها وشروط استحقاقها:
يراد بالنفقة: ما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وكل ما يلزم لها حسبما تعارفه الناس، وقد عرفها محمد بن الحسن لما سأله هشام عنها: "بأنها الطعام الكسوة والسكنى" وهي تجب لها عند الحنفية ومن وافقهم نظير احتباسها لمصلحة زوجها بحكم العقد الصحيح عليها متى كانت صالحة للحياة الزوجية، وقد ثبت وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى في شأن المطلقات: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ }الطلاق-6، أوجبت الآية على الأزواج إسكان المطلقات من حيث سكنوا حسب قدرتهم وطاقتهم، وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولى بالوجوب، حيث إن زوجيتها قائمة حقيقة وحكماً، والمطلقة لم يبق لها منها إلا أحكامها أو بعضها فقط، والأمر بالإسكان أمر بالإنفاق لأنها لا تمكن من الخروج للكسب لكونها عاجزة عنه بأصل الخلقة كما يقول صاحب البدائع أو نقول: إذا وجب لها الإسكان وجب لها بقية الأنواع لأنه لا فرق بين نوع ونوع.
وأما السنة: فقد وردت عدة أحاديث تفيد هذا الوجوب، ومنها ما رواه مسلم وغيره من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- قال في حجة الوداع: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وفي رواية (نفقتهن).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في كل العصور على وجوب نفقة الزوجة على زوجها لم يخالف في ذلك أحد.
سبب استحقاق الزوجة للنفقة وشروط الاستحقاق:
سبب وجوب النفقة للزوجة هو الزوجية الصحيحة غير أن الوجوب لا يثبت بمجرد العقد كما في وجوب المهر، بل بما يترتب عليه من احتباس الزوجة وقصرت نفسها على زوجها بحيث يتمكن من الانتفاع بثمرات الزواج بأن تسلم نفسها له حقيقة أو حكماً بدخولها في طاعته بالفعل أو باستعدادها لهذا الدخول ما لم يوجد مانع شرعي يمنعها من ذلك، فلو عقد عليها وطلبها للدخول فلبت الطلب وجب لها النفقة، وإن امتنعت منه لعذر كعدم إيفائها معجل صداقها أو عدم إعداد المسكن اللائق بالزوجية وجب لها النفقة كذلك، وإن امتنعت بدون عذر فليس لها نفقة.
ويشترط لوجوب النفقة ثلاثة شروط:
أولها: أن يكون عقد الزواج صحيحاً شرعياً.
وثانيها: أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة الزوجية ليؤدي احتباسها إلى ثمرات الزواج المقصودة منه شرعاً.
وثالثها: ألا يفوت حق الزوج في احتباس الزوجة بغير عذر شرعي أو بسبب ليس من جهته، فإذا توفرت هذه الشروط وجبت النفقة لا فرق بين الزوجة المسلمة وغير المسلمة، وإن لم تتوفر كلها أو بعضها لم يجب لها شيء.
أحوال النفقة: وجوبها وسقوطها.
تجب النفقة في حالات وتسقط في حالات أخرى وإليك التفصيل:
الحالات التي تجب فيها النفقة:
1- إذا كانت الزوجة صالحة للحياة الزوجية وانتقلت إلى بيت الزوج أو لم تنتقل بالفعل ولكنها لا تمانع فيه لأنه يكفي منها الاستعداد لتسليم نفسها.
2- إذا فات على الزوج حقه بسبب منه كما لو كان صغيراً لا يصلح للمعاشرة الجنسية مع صلاحيتها لذلك، أو كان مريضاً أو معيباً بعيب يمنعه من ذلك كالجب والعنة، أو كان محبوساً في جريمة أو دين عليه، وما شاكل ذلك.
3- إذا فات عليه حقه بسبب مشروع من جهتها، كما لو امتنعت عن تسليم نفسها لعدم إيفائها معجل صداقها أو عدم إعداده المسكن الشرعي لها، أو تركت له بيته بعد دخولها في طاعته لأنه غير أمين على نفسها أو مالها.
الحالات التي لا تجب فيها النفقة أو تسقط فيها بعد وجوبها:
1- إذا كان العقد باطلاً أو فاسداً حتى ولو سلمت المرأة نفسها للرجل الذي عقد عليها، لأن هذا العقد واجب الفسخ فيكون التسليم بعده غير مشروع فيجب عليهما أن يفترقا من تلقاء أنفسهما، وإلا فرق القاضي بينهما، ومثل ذلك إذا دخل بامرأة بشبهة من غير عقد عليها، لأن هذا الدخول غير مشروع فلا يحق للزوج احتباس المرأة فضلا عن أنه لم يسبق عقد صحيح.
2- إذا كانت الزوجة صغيرة لا يمكن الاستمتاع بها ولا تصلح لخدمة الزوج ولا مؤانسته لأن احتباسها وعدمه سواء باتفاق الحنفية والجعفرية، وكذلك إذا كانت لا تصلح للمعاشرة الجنسية وإن صلحت للخدمة أو الائتناس بها عند أبي حنيفة ومحمد والجعفرية، لأن احتباسها ناقص، حيث ا يمكن استيفاء المقصود الأصلي من الزواج منها، ويرى أبو يوسف أن الزوج لو نقلها إلى بيته للائتناس بها وجبت ليه نفقتها، لأنه رضي بهذا الاحتباس الناقص لما نقلها إلى بيته، ولو لم ينقلها ما وجبت لها نفقة.
نفقات العلاج:
إذا كانت فقيرة وزوجها غني فإن قواعد الإسلام العامة تقتضي بإلزامه بمعالجتها، فإنه يجب على الأغنياء أن يغيثوا المكروب ويعينوا المريض، فالزوجة المريضة إذا لم يعالجها زوجها الغني وينقذها من كربها فمن يعالجها غيره من الأغنياء؟ وإن قيام الزوج بالعلاج إشعار لزوجته بأنه حريص عليها فتزداد المودة بينهما، وعلى العكس من ذلك تركها لغيره يعالجها فإنه لا يترك في نفسها إلا الألم والحسرة، وإذا كان وجوب النفقة للإبقاء على حياتها ، فحاجتها إلى العلاج أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب.
3- ومن أسباب سقوك النفقة: إذا تركت الزوجة بيت الزوجية وخرجت من الطاعة أو أبت أن تنتقل إليه بدون مبرر شرعي، لأنها تعتبر ناشزة، وبالنشوز تسقط النفقة، لأنه لا يتصور احتباس معه، ومثل ذلك في الحكم ما إذا منعت زوجها من دخول بيتها الذي يقيم معها فيه دون سابقة إنذار له بطلب نقلها إلى بيت له وترك هذا البيت لتنتفع به في غير السكن، وهذا السقوط مغيا بمدة النشوز فإن عادت إلى الطاعة عاد حقها في النفقة ولا حق لها في المطالبة بنفقتها عن فترة نشوزها.
4- إذا حُبست الزوجة ولو ظلماً بسبب ليس من جهة الزوج سقط حقها في النفقة لفوات حق الزوج بسبب ليس من جهته.
5- إذا سافرت الزوجة وحدها أو مع غير محرم منها قبل الزفاف وبعده أي سفر كان ولو للحج فلا نفقة لها، لأنها فوتت حق الاحتباس على الزوج، ولأنها عاصية بهذا السفر الذي لم يصحبها محرم فيه، أما إذا سافرت بعد الزفاف للحج مع محرم منها كأبيها أو أخيها فلا نفقة لها عند أبي حنيفة ومحمد لتفويتها حق الزوج، وإذا سافر معها الزوج فلها النفقة بالاتفاق لتحقق حق الاحتباس في هذه الحالة، والنفقة الواجبة هنا نفقة الإقامة لا السفر إلا إذا كان الزوج هو الذي أراد السفر ابتداء ودعاها للسفر معه فإنه يجب لها نفقة السفر.
6- الزوجة المحترفة: إذا كانت الزوجة تحترف عملاً يضطرها إلى أن تكون خارج بيت الزوجية طول النهار أو أكثره أو الليل كله أو أكثره ثم ترجع إليه بعد فراغها منه، كالموظفة أو المحامية أو الطبيبة، فإن ذلك يسقط نفقتها عند كثير من الفقهاء -على تفصيل في المسألة-.
7- إذا ارتدت الزوجة بأن خرجت عن الإسلام سقطت نفقتها، لأن ردتها ترتب عليها فرقة جاءت من قبلها لأبطلت نفقتها.
هذا ملخص لحقوق الزوجية، وفي المسألة تفصيل ينظر في كتب الأحوال الشخصية، والله أعلم.
يختلف الناس في فهمهم لحقوق وواجبات الزوج على زوجته والعكس لأن كثير من العلماء عندما يسئلوا عن ذلك يجيبون إجابة عامة غير واضحة وهي أن يرجعوها إلى العرف ولا يحددون ماهو العرف بالضبط لأن الناس يختلفون في فهمهم للعرف فيقع الظلم بين الأزواج ويظن كل منهم أن هذا هو العرف، فلذلك نرجوا من فضيلتكم أن توضحوا لنا واجبات وحقوق كل من الزوجين على الآخر بتوضيح لا يختلف في فهمه الناس لتتم الفائدة ولكم جزيل الشكر والثواب.
الجواب :
العلماء فصلوا في حقوق كل من الزوجين على الآخر، وفي الحقوق المشتركة بينهما، أما الأمور المبنية على الأعراف فهي تفصيلات تتعلق ببعض هذه الحقوق، كمقدار النفقة وجنسها وكميتها، وهذا أمر طبيعي فليس من المعقول أن تكون النفقات في البلاد الغنية كالنفقات في البلاد الفقيرة، بل حتى في البلاد الواحدة، تتغير النفقة من أسرة إلى أخرى، فنفقة الأغنياء غير نفقة الفقراء، بل تتغير من زمن إلى آخر، فما يعد اليوم من الضروريات كان عند آبائنا من الكماليات...وهكذا، أما هذه الحقوق فإليك تفصيلها.
يقول العلامة الشيخ محمد مصطفى شلبي -رحمه الله-:
إن عقد الزواج إذا تم يوجب حقوقاً للزوجين، وهذه الحقوق بعضها مشترك بينها، وبعضها يخص الزوج، وبعضها يخص الزوجة.
الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أولاً: حق الاستمتاع وهو أن يحل لكل واحد منهما أن يتمتع بالآخر الحدود التي رسمها الشارع، فعلى كل منهما أن يجيب رغبة الآخر ولا يمتنع منه إلا إذا وجد مانع شرعي يمنع من ذلك كحيض لقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ }البقرة-222، ويلحق به النفاس وكذلك المرض الشديد.
وقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يعف زوجته من الناحية الجنسية حتى لا تقع في الحرام متى كان قادراً على ذلك، وأن هذا الواجب من جهة الديانة أي فيما بينه وبين الله تعالى، فيحرم عليه أن يشتغل عنها بعمل أو عبادة كل وقته لأنه يعرضها بذلك للفتنة، فقد روى أن زوجة عبدالله بن عمرو بن العاص شكته إلى رسول الله بأنه يصوم النهار ويقوم الليل فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلما حضر قال له: (يا عبدالله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟) فقال: بلى يا رسول الله، فقال له: (لا تفعل ذلك، صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً).
ثانياً: حسن المعاشرة، فكل من الزوجين مطالب بإحسان العشرة على معنى أن يسعى كل منهما إلى ما يرضي الآخر من حسن المخاطبة واحترام الرأي والتسامح والتعاون على الخير ودفع الأذى والبعد عما يجلب الشقاق والنزاع لقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء-19، وقوله: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }البقرة-228، فإذا فعلا ذلك تحقق بينهما السكن وتوفرت المودة، وكان الزواج رحمة لهما كما أخبر المولى سبحانه في قوله: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }الروم-21.
ثالثاً: حرمة المصاهرة، فيحرم على الزوج التزوج بأصول زوجته وفروعها كما يحرم عليها التزوج بأصوله وفروعه وقد سبق فصل ذلك، وحرمة المصاهرة وإن كانت في ظاهرها حق الشارع، لأنها حكم من أحكامه إلا أن ثمرتها تعود على الزوجين على السواء، لأن ثبوتها يدفع الأذى عنهما فيما لو أبيح لكل منهما أن يتزوج بأقرب الناس إلى الآخر بعد فصم عرى الزوجية بينهما، وقد أشرنا إلى ذلك عند الكلام على حكمة التحريم بالمصاهرة.
رابعاً: ثبوت التوارث بينهما بأن يرث كل منهما الآخر بعد وفاته ولو كانت قبل الدخول ما لم يوجد مانع يمنع منه، وذلك لأن عقد الزواج لما أحل المتعة والعشرة بينهما فقد أوجد صلة تربط بينهما كصلة القرابة فتبع ذلك ثبوت التوارث لهذه الصلة.
حقوق الزوج:
يثبت للزوج:
أولاً: حق الطاعة على زوجته في كل ما هو من آثار الزواج إلا ما كان في معصية الله، فمتى أوفى الزوج زوجته حقوقها الواجبة عليه بأن دفع لها مهرها أو مقدار ما اتفقا على تعجيله منه وأعد لها المسكن اللائق بها وكان أميناً عليها وجب عليها الدخول في طاعته فتقيم معه حيث يعيش وتمكنه من نفسها، فإذا امتنعت بعد ذلك عن الدخول في طاعته كانت ناشزة وسقط حقها في النفقة كما سيأتي إن شاء الله.
ووجوب الطاعة في الحقيقة من تتمة التعاون بين الزوجين، ذلك لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع فإن كانت سليمة كان المجتمع سليماً، ولا تستقيم حياة أي جماعة إلا إذا كان لها رئيس يدير شئونها ويحافظ على كيانها، ولا توجد هذه الرياسة إلا إذا كان الرئيس مطاعاً، وهذه الرياسة لم توضع بيد الرجل مجاناً، بل دفع ثمنها لأنه مكلف بالسعي على أرزاق الأسرة والجهاد من أجلها مع ما في تكوينه وطبيعته من الاستعداد لها، يقول سبحانه: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }النساء-34، فهذا الجزء من الآية يثبت للزوج حق الطاعة لأنه جعله فيما عليها ولا قوامة بدون طاعة من الطرف الآخر، وقد ورد عن رسول الله أحاديث كثيرة تحض المرأة على طاعة زوجها.
هذا وقوامة الرجل على المرأة فيما يتعلق بالحياة الزوجية فليس له الحق في التدخل في شئونها المالية، لأن الولاية لها في ذلك ما دامت كاملة الأهلية، فإن كانت أهليتها قاصرة فالولاية لوليها المالي كأبيها أو جدها أو من يقوم مقامهما.
ويتبع حق الطاعة حق آخر وهو حق القرار في البيت لا تبرحه إلا بإذنه وليس قرارها في البيت غبنا لها أو سجناً لها كما فهمه قصار النظر وإنما هو إعانة لها على أداء وظيفتها التي خلقت لها وهي التفرغ لتربية الأولاد في مبدأ حياتهم ليحيوا حياة سليمة، ومن قبل ذلك محافظة عليها من الفتنة والفساد، وليس معنى هذا أن تظل حبيسة البيت لا تخرج منه أبداً كما فهمه بعض الناس خطأ، لأنه ليس حقاً من حقوق الله حتى يكون لازماً بل هو حق للزوج إن شاء تمسك به وإن شاء تنازل عنه وأذن لها بالخروج ما لم يترتب على خروجها مفسدة فيتحتم المنع محافظة على حرمات الله.
على أن حق المنع ثابت له بشرط أن يكون أوفاها حقوقها، وألا يكون لخروجها مسوغ شرعي كأداء فريضة الحج بشرط أن يكون شفرها مع ذوي رحم محرم منها، وزيارة أبويها ومحارمها من أخوتها وأعمامها وغيرهم، فإن وجد المسوغ الشرعي لخروجها ولم يأذن لها، كان لها الخروج بدون إذنه فلها أن تزور والديها في كل أسبوع مرة، وإذا مرض أبوها وليس له من يقوم بتمريضه غيرها كان لها أن تذهب إليه لتقوم بتمريضه ولو لم يرض الزوج، ولا تكون بذلك خارجة عن طاعته، لأن حق الوالدين مقدم على حق الزوج عند تعارضهما، حتى ولو كان الأب غير مسلم.
وعلى الزوجة بعد طاعة زوجها وقرارها في بيته، أن تكون أمينة على سره حافظة لماله وشرفه فتبعد عن مواطن الشبهات، فال تدخل بيتها من لا يرضى زوجها عنه، ولا تطيع فيه أحداً لقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تطيع فيه أحداً ولا تعتزل فراشه ولا تضر به).
ثانياً: ولاية التأديب، إذا كانت الزوجة مطيعة لزوجها محافظة على حقوقه فلا سبيل له عليها، أما إذا خرجت عن الطاعة وخالفته فيما يجب عليها، كان له عليها ولاية التأديب لقوله تعالى: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا }النساء-34، فهذه الآية قسمت النساء إلى نوعين، صالحات، وهؤلاء لسن في حاجة إلى تأديب لأنهن يقمن بما عليهن من حقوق الله وحقوق الزوج.
والنوع الثاني الذي عبرت عنه الآية {واللاتي تخافون نشوزهن} وهن اللاتي شرع التأديب لهن ولأن تركهن على انحرافهن يسبب للبيت شقاء لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وجعل التأديب للزوج دون غيره من الولي أو القاضي محافظة على كيان الأسرة بحفظ أسرارها من أن تذاع فيطلع الناس منها على ما لا يحسن الاطلاع عليه، ولأنه أعلم من غيره بما يقومها ويردها إلى صوابها، ولأن ضرر انحرافها يعود عليه وعلى بيته.
ثم إن الآية بينت طريق التأديب فجعلت له وسائل ثلاث: الموعظة الحسنة، والهجر في المضاجع، الضرب، وجاءت بها مُرتّبة فإذا أراد التأديب بدأ بما بدأ الله به، فيعظها فإن كفت الموعظة وقف عند ذلك، وإن لم تفد الموعظة هجرها في المضجع بأن يوليها ظهره أو ينام في فراش آخر داخل البيت، فإن لم يفد الهجر فله أن يضربها ضرباً غير مبرح ولا مشين، ولقد سأل رجل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلاّ في البيت).
فإذا أساء الزوج استعمال حقه، وتجاوز القدر اللازم للإصلاح كان متعدياً، وللزوجة حينئذ أن ترفع أمرها إلى القاضي ليرده عن عدوانه، فإن ثبت لديه عدوان الزوج عزره بما يراه كافياً لزجره عن معاودته لما فعل، وليس له حق إيقاع الطلاق جبراً إذا طلبته الزوجة كما يرى الحنفية والجعفرية، ويرى المالكية أن المرأة لو طلبت الطلاق للضرر في هذه الحالة كان للقاضي سلطة إيقاع الطلاق إذا امتنع الزوج عن التطليق وتكون طلقة بائنة، وهو ما يجري عليه العمل في مصر.
ثم إن القرآن لم يقف بالعلاج عند هذه الوسائل الفردية التي وكلها إلى الزوج، بل جعل للزوج إذا لم يصل إلى نتيجة وأفلت الزمام من يده أن يرفع الأمر إلى القاضي ليعالج المشكلة بوسيلة أخرى على مستوى الجماعة، لأن الحياة الزوجية ليس ملكاً للزوجين خاصة، بل لها جانب اجتماعي من جهة أنهما عضوان في المجتمع الذي يسعد بسعادة أفراده ويشقى بشقائهم، فيبعث القاضي حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، ليتعرفا أسباب النزاع ويقوما بالإصلاح كما يقول سبحانه: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }النساء-35.
حقوق الزوجة غير المالية:
أولاَ: يثبت للزوجة على زوجها عدم الإضرار بها بأن يعدل في معاملتها فيعاملها بما يجب أن تعامله به فيحافظ على حقوقها من غير إفراط ولا تفريط، وإنما وجب عليه العدل وعدم الإضرار باعتبار ما له من السلطان والرياسة، فحيث وضعه الشارع في موضع القوامة وأوجب له على زوجته الطاعة والقرار في البيت ومنحه سلطة التأديب، وهذه أمور لا تستقيم مع إطلاق يده في التصرف بال يجب تقييدها بالعدل من جانبه، حتى تسير الحياة الزوجية في طريق مستقيم لتحقق الغاية المقصودة منها.
ومن هنا جاءت عدة آيات وأحاديث تنبه الزوج إلى يعدل ولا يظلم، وينفع ولا يضر، ورحم ولا يقسو، فيقول جل شأنه: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }البقرة-228، ويقول: { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }البقرة-231، ويقول: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }النساء-34.
ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وفي حديث آخر يقول: ( ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت)، وفي خطبة الوداع يقول: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهم شيئاً غير ذلك) يريد أن يقول أنكم لا تملكون منهن غير الاستمتاع، وهكذا يرسم الإسلام طريقة معاملة الأزواج لزوجاتهم، فمن سار في طريقه نجا، ومن حاد عنه وآذى زوجته بالقول أو الفعل كان لها الحق أن ترفع الأمر إلى القاضي وهو بما له من الولاية العامة يستطيع زجر الزوج بالقول وتعزيره بما يراه رادعاً له عن عدوانه.
ثانياً: إذا كان له أكثر من زوجة وجب عليه التسوية بينهن في المعاملة، سواء كان ذلك في البيات أو في النفقة بأنواعها، لأن الله شرط حل التعدد بالعدل في قوله جل شأنه: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }النساء-3، ويستوي في ذلك البكر والثيب، والشابة والعجوز، والصحيحة والمريضة، والأولى والأخيرة، والمسلمة والكتابية، لأن رباط الزوجية واحد في الجميع، فلا يحل له أن يميز واحدة عن غيرها في أي شيء من الأمور الظاهرة، فيبيت عند كل واحدة قدر ما يبيت عند الأخرى وتقدير النوبة مفوض إليه، وإن كان الأولى ألا تكون طويلة حتى لا تطول الوحشة عل ى الزوجات.
والمعتبر في المناوبة بين الزوجات الليل لا النهار، إلا إذا كان الزوج يعمل ليلاً فتكون المناوبة بالنهار، وإذا عين الزوج مقدار النوبة بدأ بمن شاء، وعليه أن يوفي كل زوجة نوبتها دان أن يزيد لواحدة على حساب الأخرى إلا إذا أذنت صاحبة الحق في ذلك، أو وجدت ضرورة تدعوه إلى ذلك كأن مرضت إحداهن وليس لها من يقوم بتمريضها غيره.
وإذا تنازلت إحدى الزوجات عن نوبتها لزوجة أخرى صح ذلك، لأن رسول الله أقر لك عندما تنازلت سودة بنت زمعة عن نوبتها لعائشة رضي الله عنهما، وللمتنازلة أن ترجع عن تنازلها متى شاءت لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد فلا يسقط، يلزم الزوج هذا القسم حتى ولو كان مريضاً، لأن في وجوده عند زوجته إيناساً لها إلا إذا أذنت له في القرار في بيت إحداهن، ونحن نقول: نعم له أن يتزوج أربعاً وعليه العدل بين زوجاته أياً كان عددهن فهل في لك عدل؟ وكما يجب عليه التسوية في البيات، يجب عليه التسوية في النفقة.
الحق الثالث للزوجة وهو المهر:
المهر حق مالي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في عقد زواج صحيح، أو دخول بشبهة أو بعد عقد فاسد، وهذا التعريف يفيد أن المهر واجب، وأنه يجب على الرجل لا على المرأة، وأن وجوبه ثابت بأحد أمرين:
الأول: مجرد العقد، ويكون في الزواج الصحيح لقوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ }النساء-24.
الثاني: الدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أو في المخالطة بشبهة، وفي هذا لا تبرأ ذمته منه إلا بالأداء أو الإبراء من جانب المرأة، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وقد أجمع المسلمون على ذلك من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا لم يخالف في ذلك أحد.
ما يصلح أن يكون مهرا:
لا خلاف بين الفقهاء في الأشياء بالنسبة لصلاحيتها لأن تُجعل مهراً تتنوع إلى نوعين: نوع يتعين أن يكون المهر منه، وهو كل ما له قيمة شرعية سواء كان عيناً من الذهب والفضة أو منفعة مباحة تقوم بالمال أو ديناً في الذمة، ونوع لا يصلح أن يكون مهراً وهو ما ليس بمال أو كان مالاً غير متقوم شرعاً كالخمر والخنزير ي حق المسلم أو منفعة غير مباحة أو مباحة ولكنها لا تقوم بمال.
مقدار المهر:
للفقهاء في مقدار المهر آراء، فمن الفقهاء من يذهب إلى عدم تحديده بمقدار لا في مبدئه ولا في نهايته وإنما هو موكل إلى تراضي الطرفين، ومنهم من يذهب إلى أن أقله محدد بمقدار لا يجوز بأقل منه وإن لم يكن محدد النهاية.
الجهاز ومتاع البيت والنزاع فيهما.
الجهاز: ما يعد به بيت الزوجية من أثاث وأدوات منزلية عند زفاف الزوجة إلى زوجها، إذا كان بيت الزوجية يضم الزوجين لأول مرة بعد أن دفع الزوج لزوجته مهرها أو المعجل منه، بحيث لا تستجيب لطلبه إلا بعد قبضه وإعداد المسكن المناسب، فعلى من يكون جهاز البيت الذي يجمعهما؟
اختلف الفقهاء في ذلك فمنهم من يطبق قانون الحقوق الزوجية من أن المهر الذي تأخذه الزوجة ملك خالص لها، وأن على الزوج أن يهيئ للزوجة المسكن الملائم لها قبل أن يطلبها للدخول في طاعته فلم يوجبوا على الزوجة جهازاً ولا غيره، بل جعلوا إعداد البيت فرشه وتأسيسه بكل ما يحتاج إليه على الزوج حتى يكون مسكناً لائقاً بحياة الزوجين.
ومن الفقهاء من لاحظ العرف الطارئ على هذه القواعد، فيوجب على الزوجة تجهيز البيت حسبما تجري به العادة في جهاز مثلها بما قبضته من مهرها، فإذا لم تقبضه قبل زفافها لا تطالب بالجهاز إلا إذا شرط عليها الزوج ذلك وقبلته، أو جرى عرف الناس في بلدهما بأن الزوجة تجهز البيت وإن لم تقبض صداقها، فكأن المهر عندهم يدفع للجهاز حسبما يجري به العرف، ولذا يختلف مقداره من زوجة لأخرى بقدر ما يطلب الزوج عادة من جهاز.
الحق الرابع للزوجة وهو النفقة:
التعريف بها ووجوبها وشروط استحقاقها:
يراد بالنفقة: ما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وكل ما يلزم لها حسبما تعارفه الناس، وقد عرفها محمد بن الحسن لما سأله هشام عنها: "بأنها الطعام الكسوة والسكنى" وهي تجب لها عند الحنفية ومن وافقهم نظير احتباسها لمصلحة زوجها بحكم العقد الصحيح عليها متى كانت صالحة للحياة الزوجية، وقد ثبت وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى في شأن المطلقات: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ }الطلاق-6، أوجبت الآية على الأزواج إسكان المطلقات من حيث سكنوا حسب قدرتهم وطاقتهم، وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولى بالوجوب، حيث إن زوجيتها قائمة حقيقة وحكماً، والمطلقة لم يبق لها منها إلا أحكامها أو بعضها فقط، والأمر بالإسكان أمر بالإنفاق لأنها لا تمكن من الخروج للكسب لكونها عاجزة عنه بأصل الخلقة كما يقول صاحب البدائع أو نقول: إذا وجب لها الإسكان وجب لها بقية الأنواع لأنه لا فرق بين نوع ونوع.
وأما السنة: فقد وردت عدة أحاديث تفيد هذا الوجوب، ومنها ما رواه مسلم وغيره من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- قال في حجة الوداع: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وفي رواية (نفقتهن).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في كل العصور على وجوب نفقة الزوجة على زوجها لم يخالف في ذلك أحد.
سبب استحقاق الزوجة للنفقة وشروط الاستحقاق:
سبب وجوب النفقة للزوجة هو الزوجية الصحيحة غير أن الوجوب لا يثبت بمجرد العقد كما في وجوب المهر، بل بما يترتب عليه من احتباس الزوجة وقصرت نفسها على زوجها بحيث يتمكن من الانتفاع بثمرات الزواج بأن تسلم نفسها له حقيقة أو حكماً بدخولها في طاعته بالفعل أو باستعدادها لهذا الدخول ما لم يوجد مانع شرعي يمنعها من ذلك، فلو عقد عليها وطلبها للدخول فلبت الطلب وجب لها النفقة، وإن امتنعت منه لعذر كعدم إيفائها معجل صداقها أو عدم إعداد المسكن اللائق بالزوجية وجب لها النفقة كذلك، وإن امتنعت بدون عذر فليس لها نفقة.
ويشترط لوجوب النفقة ثلاثة شروط:
أولها: أن يكون عقد الزواج صحيحاً شرعياً.
وثانيها: أن تكون الزوجة صالحة للمعاشرة الزوجية ليؤدي احتباسها إلى ثمرات الزواج المقصودة منه شرعاً.
وثالثها: ألا يفوت حق الزوج في احتباس الزوجة بغير عذر شرعي أو بسبب ليس من جهته، فإذا توفرت هذه الشروط وجبت النفقة لا فرق بين الزوجة المسلمة وغير المسلمة، وإن لم تتوفر كلها أو بعضها لم يجب لها شيء.
أحوال النفقة: وجوبها وسقوطها.
تجب النفقة في حالات وتسقط في حالات أخرى وإليك التفصيل:
الحالات التي تجب فيها النفقة:
1- إذا كانت الزوجة صالحة للحياة الزوجية وانتقلت إلى بيت الزوج أو لم تنتقل بالفعل ولكنها لا تمانع فيه لأنه يكفي منها الاستعداد لتسليم نفسها.
2- إذا فات على الزوج حقه بسبب منه كما لو كان صغيراً لا يصلح للمعاشرة الجنسية مع صلاحيتها لذلك، أو كان مريضاً أو معيباً بعيب يمنعه من ذلك كالجب والعنة، أو كان محبوساً في جريمة أو دين عليه، وما شاكل ذلك.
3- إذا فات عليه حقه بسبب مشروع من جهتها، كما لو امتنعت عن تسليم نفسها لعدم إيفائها معجل صداقها أو عدم إعداده المسكن الشرعي لها، أو تركت له بيته بعد دخولها في طاعته لأنه غير أمين على نفسها أو مالها.
الحالات التي لا تجب فيها النفقة أو تسقط فيها بعد وجوبها:
1- إذا كان العقد باطلاً أو فاسداً حتى ولو سلمت المرأة نفسها للرجل الذي عقد عليها، لأن هذا العقد واجب الفسخ فيكون التسليم بعده غير مشروع فيجب عليهما أن يفترقا من تلقاء أنفسهما، وإلا فرق القاضي بينهما، ومثل ذلك إذا دخل بامرأة بشبهة من غير عقد عليها، لأن هذا الدخول غير مشروع فلا يحق للزوج احتباس المرأة فضلا عن أنه لم يسبق عقد صحيح.
2- إذا كانت الزوجة صغيرة لا يمكن الاستمتاع بها ولا تصلح لخدمة الزوج ولا مؤانسته لأن احتباسها وعدمه سواء باتفاق الحنفية والجعفرية، وكذلك إذا كانت لا تصلح للمعاشرة الجنسية وإن صلحت للخدمة أو الائتناس بها عند أبي حنيفة ومحمد والجعفرية، لأن احتباسها ناقص، حيث ا يمكن استيفاء المقصود الأصلي من الزواج منها، ويرى أبو يوسف أن الزوج لو نقلها إلى بيته للائتناس بها وجبت ليه نفقتها، لأنه رضي بهذا الاحتباس الناقص لما نقلها إلى بيته، ولو لم ينقلها ما وجبت لها نفقة.
نفقات العلاج:
إذا كانت فقيرة وزوجها غني فإن قواعد الإسلام العامة تقتضي بإلزامه بمعالجتها، فإنه يجب على الأغنياء أن يغيثوا المكروب ويعينوا المريض، فالزوجة المريضة إذا لم يعالجها زوجها الغني وينقذها من كربها فمن يعالجها غيره من الأغنياء؟ وإن قيام الزوج بالعلاج إشعار لزوجته بأنه حريص عليها فتزداد المودة بينهما، وعلى العكس من ذلك تركها لغيره يعالجها فإنه لا يترك في نفسها إلا الألم والحسرة، وإذا كان وجوب النفقة للإبقاء على حياتها ، فحاجتها إلى العلاج أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب.
3- ومن أسباب سقوك النفقة: إذا تركت الزوجة بيت الزوجية وخرجت من الطاعة أو أبت أن تنتقل إليه بدون مبرر شرعي، لأنها تعتبر ناشزة، وبالنشوز تسقط النفقة، لأنه لا يتصور احتباس معه، ومثل ذلك في الحكم ما إذا منعت زوجها من دخول بيتها الذي يقيم معها فيه دون سابقة إنذار له بطلب نقلها إلى بيت له وترك هذا البيت لتنتفع به في غير السكن، وهذا السقوط مغيا بمدة النشوز فإن عادت إلى الطاعة عاد حقها في النفقة ولا حق لها في المطالبة بنفقتها عن فترة نشوزها.
4- إذا حُبست الزوجة ولو ظلماً بسبب ليس من جهة الزوج سقط حقها في النفقة لفوات حق الزوج بسبب ليس من جهته.
5- إذا سافرت الزوجة وحدها أو مع غير محرم منها قبل الزفاف وبعده أي سفر كان ولو للحج فلا نفقة لها، لأنها فوتت حق الاحتباس على الزوج، ولأنها عاصية بهذا السفر الذي لم يصحبها محرم فيه، أما إذا سافرت بعد الزفاف للحج مع محرم منها كأبيها أو أخيها فلا نفقة لها عند أبي حنيفة ومحمد لتفويتها حق الزوج، وإذا سافر معها الزوج فلها النفقة بالاتفاق لتحقق حق الاحتباس في هذه الحالة، والنفقة الواجبة هنا نفقة الإقامة لا السفر إلا إذا كان الزوج هو الذي أراد السفر ابتداء ودعاها للسفر معه فإنه يجب لها نفقة السفر.
6- الزوجة المحترفة: إذا كانت الزوجة تحترف عملاً يضطرها إلى أن تكون خارج بيت الزوجية طول النهار أو أكثره أو الليل كله أو أكثره ثم ترجع إليه بعد فراغها منه، كالموظفة أو المحامية أو الطبيبة، فإن ذلك يسقط نفقتها عند كثير من الفقهاء -على تفصيل في المسألة-.
7- إذا ارتدت الزوجة بأن خرجت عن الإسلام سقطت نفقتها، لأن ردتها ترتب عليها فرقة جاءت من قبلها لأبطلت نفقتها.
هذا ملخص لحقوق الزوجية، وفي المسألة تفصيل ينظر في كتب الأحوال الشخصية، والله أعلم.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى